مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، رسول رب العالمين، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فقدبعث الله نبيه بالحجة البينة الواضحة، فأنار السبيل، وكشف الظلمة، وترك أمته على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وكان من أوائل من زاغ عن هديه - صلى الله عليه وسلم - الخوارج، فكانوا أول البدع ظهوراًً في الإسلام , وأظهرها ذماًً في السنة النبوية , فإن ذو الخويصرة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل, فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خروجه وخروج أصحابه، وذكر أنهم ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)). (1)
وتحقق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وفي أصحابه من أهل النهروان، وقد "كان دينهم الذي اختصوا به من بين الداخلين في الفتن هو تكفير بعض المسلمين بما حسبوه كفراً، فوردت الأحاديث بمروقهم بذلك وتواترت، وهي في دواوين الإسلام الستة". (2)
وتصدى سلف الأمة لهذه الفتنة، وكان من أقوم سُبل معالجتها صبر عليٍّ وأناتُه على الخوارج، وإرساله حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لمحاورتهم ومجادلتهم.
فعاد إلى الحق جمهور كبير منهم، بينما كان سيف الحق بالمرصاد لبقيتهم، ممن اختار الغواية والعماية، ليسطع نور الحق من جديد، وتضمحل هذه الضلالة إلى أن غدت أثراً بعد عين.
لكن ذلك لم يمنع تداول هذا الفكر في العصور التالية، وإن سلُم هذه المرة من آفة الخروج والقتال، وتجسد ذلك في الفرق الإسلامية البدعية المختلفة التي أشهرت سيف التكفير في وجه مخالفيها، حتى غدا التكفير
(1) رواه البخاري ح (3610)، ومسلم ح (1064).
(2) إيثار الحق على الخلق (381).