سمة لا تنفك عن أهل البدع: "وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة، ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية". (1)
وما زال هذا الوباء يسري بين المسلمين حتى وصل إلى بعض المتنسبين للمذاهب الفقهية لأهل السنة والجماعة، فتداول متعصبة المذاهب تكفير الآخرين "ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم". (2)
ومن ذلك قول الرستغفني الحنفي: "لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال. وقال الفضل: لا يجوز بين من قال: أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه كافر، ومقتضاه منع مناكحة الشافعية". [3] فهو يرى كفر الشافعية الذين يوجبون الاستثناء في الإيمان.
ومثل هذا قول أبي القاسم البكري، وهو يعرّض بالحنابلة أمام طلابه في المدرسة النظامية: "وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا، والله ما كفر أحمد، ولكن أصحابه كفروا ". (4)
لكن هذه الصورة من صور التكفير لم يكن لها كبير أثر في المسلمين، لأنها كما قال ابن الهمام: "ويقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير، ولكنه ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون، بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء". (5)
وفي أواسط القرن الميلادي العشرين، وفي غياهب سجون الظلم عادت هذه الظاهرة من جديد، فبدأ شررها بتكفير الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويوقعون بدعاة تحكيم الشريعة الظلم والاضطهاد، ثم امتد بهم التكفير ليعم كل من يعمل في أجهزة الدولة، ومازال البلاء يطم ويعم، حتى قال قائلهم بتكفير المجتمع كله، إلا من قال بقولهم، أو انتمى إلى فكرهم، ولو لم يجاوزوا عدد أصابع اليدين.
(1) منهاج السنة (5/ 240)، وانظر درء تعارض العقل والنقل (1/ 243).
(2) منهاج السنة (5/ 240). [3] البحر الرائق (3/ 110).
(4) الكامل في التاريخ (10/ 124).
(5) شرح فتح القدير (6/ 100).