وهذه البدعة - كسائر البدع - لا تعدم دليلاً تتعلق به بعد ليّ معناه أو تأويله وتحريفه "ولذلك لا تجد فرقة من الفرق الضالة، ولا أحداً من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية، يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة .. بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفي كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة". (1)
لكن هذا لا يعني أن ما يتعلق به الواهمون صالح للاستدلال على المسائل المثارة، فإن "العلم شيئان: إما نقل مصدق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق، وكثير من كلام هؤلاء هو من هذا القسم من الهذيان، وما يوجد فيه من نقل، فمنه ما لا يميز صحيحه عن فاسده، ومنه ما لا ينقله على وجهه، ومنه ما يضعه في غير موضعه ... ". (2)
وهؤلاء الذين حرموا التحقيق والتوثيق لمقالاتهم فاتهم الغوصُ في كثير من بحور العلم، مما لا يغنيهم عنه ما أدركوه في ساحله، فأقعدهم القليل عن طلب الكثير، وصدق من قال: " إنما يُفسد الناسَ نصفُ متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللسان، وهذا يفسد الأبدان". (3)
وأمام داهية عود التكفير - من جديد - بين بعض شباب المسلمين رأيت لزوم التصدي لهذه الضلالة، بياناً للحق، وقياماً بالواجب، ولتكون هذه الدراسة وغيرها نبراس هداية لكل من استزله الشيطان فوقع في إخوانه المسلمين تكفيراً وتفسيقاً.
واللهَ نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) الموافقات (3/ 56).
(2) الرد على البكري (2/ 729).
(3) مجموع الفتاوى (5/ 118 - 119).