طوعا واختيارا، وأعانهم ببدنه وماله فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر. ومن الهجرة الواجبة أيضا الهجرة من بين ظهراني الأعراب المتظاهرين بالكفر والشرك، وارتكاب بعض المحرمات، وهو عاجز عن إظهار دينه، ولا قدرة له على الإنكار عليهم؛ فهذا هجرته فرض إذا قدر عليها، فإن تركها مع قدرته واستطاعته، فحكمه حكم من هو في بلدان المشركين المتقدم ذكرهم. فهولاء يعادَوْن، ويُبغضون على ما معهم من المعصية ويحبون ويوالَوْن على ما معهم من أصل الإسلام. وهجر هؤلاء ومن تقدم ذكرهم إذا كان فيه مصلحة راجحة وردع لهم وزجر لأمثالهم، ولم يترتب عليه مفسدة، فهو جائز. والمسافر إليهم مرتكب أيضا حراما فيهجر بقدر ذنبه.
قال علماؤنا: المقيم بين ظهراني المشركين والمسافر إليهم لأجل التجارة مشتركون في التحريم، متفاوتون في العقوبة، فعقوبة المقيم أعظم من عقوبة المسافر، وهجر المقيم أغلظ من هجر المسافر؛ فيعاملون بالهجر والمعاداة والموالاة بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية.
وأما الهجرة المستحبة، وهي الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا كان مظهرا لدينه، وقد أمن الفتنة على نفسه ودينه فهذا هجرته مستحبة، وكذلك من هو بين ظهراني بعض البوادي الملتزمين لشرائع الإسلام المجتنبين لما حرمه الله عليهم من سفك الدماء ونهب الأموال وغيرها، ولا يوجد عندهم من يجاهر بالمعاصي، فالهجرة حينئذ من بينهم مستحبة، وفيها فضل عظيم، وثواب جزيل لتعلم الخير وإقامة الجمعة وغير ذلك من المصالح التي يعرفها من نور الله قلبه، ورزقه البصيرة.
حال نجد قبل الدعوة وبعدها
(وأما المسألة الخامسة) : وهي ما حكم من اتصف بالكفر اليوم وقام به