ومن جنوب، إلى ما لا يخفى على المسؤول؟
الجواب: الهجرة من واجبات الدين، ومن أفضل الأعمال الصالحة، وهي سبب لسلامة دين العبد وحفظ لإيمانه، وهي أقسام: الأول: هجر المحرمات التي حرمها الله في كتابه وحرمها رسوله –صلى الله عليه وسلم- على جميع المكلفين وأخبر أن من هجرها فقد هجر ما حرمه الله عليه، وقد أخبر –صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" [1] وهذا أمر مجمل شامل لجميع المحرمات القولية والفعلية.
(القسم الثاني) : الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر، ويعلن فيها بالمحرمات. والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد كفرهم وبطلان ما هم عليه؛ لكن إنما جلس بين ظهرانيهم شحا بالمال والوطن، فهذا عاص ومرتكب محرما، وداخل في حكم الوعيد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [2] إلى قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [3]. فلم يعذر الله إلا المستضعف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار، وقال صلى الله عليه وسلم "من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله" [4]، فلا يقال: إنه بمجرد المجامعة، والمساكنة يكون كافرا بل المراد أن من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين، وأخرجوه معهم كرها فحكمه حكمهم في القتل، وأخذ المال، لا في الكفر، وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين [1] البخاري: الإيمان (10) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4996) , وأبو داود: الجهاد (2481) , وأحمد (2/192,2/209) . [2] سورة النساء آية: 97. [3] سورة النساء آية: 99. [4] أبو داود: الجهاد (2787) .