هُوَ الَّذِى لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». (أخرجه الترمذي) [1].
إنَّ الكتب التي نزلت قبل القرآن الكريمِ ضاعتْ نُسَخُها الأصلية، ولم يبقَ في أيدي الناس إلا تراجمها، أمَّا القرآنُ فما يزال محفوظًا بسوره وآياته وكلماتهِ وحروفه كما تلاه جبريلُ -عليه السلام- على رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم -،والكتبُ السابقةُ قد اختلطَ فيها كلامُ البشر بكلام الله تعالى، فلا يعرفُ أحدٌ فيها كلام الله من كلام البشرِ، وأمَّا القرآنُ فهو جميعُه كلام الله- تعالى-،ولم يختلطْ بحديثِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أقوال الصحابة أو غيرهم.
إنَّ تلكَ الكتبَ ليس منها كتابٌ تصحُّ نسبته إلى الرسول الذي أُنزل عليه، فالتوراةُ الحاليةُ لم يكتبها موسى، وإنما دُوِّنت بعد موسى-عليه السلام- بقرون عديدة، وكذا الإنجيلُ، أمَّا القرآنُ الكريمُ فهو الكتابُ الوحيد الذي ثبتتْ نسبتهُ بصورةٍ قطعيةٍ إلى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ لم يكتبْه، فقد كان يأمر كتَّاب الوحي أن يدونوا كلَّ ما نزلَ أولاً بأوَّلٍ.
وتعاليمُ القرآنِ هي كلمةُ الله التي يسعد بها البشرُ، فأرادَ الله لها أن تخلدَ على مرِّ الزمن، فصانها وحفظَها من التبديلِ والتحريفِ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت/41،42].وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد اللّه الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة،ولا تحرف فيه [1] - برقم (3153) والبزار برقم (836) والمعجم الكبير للطبراني برقم (16587) عن معاذ وفيه ضعف