جملة، لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر، أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل، تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل، وتصونه من العبث والتحريف.
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق، وكثر فيه النزاع، وطمت فيه الفتن، وتماوجت فيه الأحداث. وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من «القوميين» دعاة «القومية» الذين تسمّوا بالشعوبيين! ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين.
كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية، وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات ..
ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ وبقيت نصوصه كما أنزلها اللّه حجة باقية على كل محرف وكل مؤول وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ.
ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم، وعن حماية عقيدتهم، وعن حماية نظامهم، وعن حماية أرضهم، وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم. وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم، وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .. كل منكر من العقائد والتصورات، ومن القيم والموازين، ومن الأخلاق والعادات. ومن الأنظمة والقوانين .. وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص «الإنسان» وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان .. وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان .. ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من «التقدم» و «التطور» و «العلمانية» و «العلمية» و «الانطلاق» و «التحرر» و «تحطيم الأغلال» و «الثورية» و «التجديد» ... إلى آخر