عليه، وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه، ثم شرع في قتال الكفار من أهل الكتاب، وعلم الأمة ما خفي عليهم، وقواهم لما ضعفوا، وشجعهم لما جبنوا، وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم، وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها. وهذا مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تعظم الأمة بعد نبيها أحدًا كما عظمت الصديق، ولا أطاعت أحدًا كما أطاعته من غير رغبة أعطاها ولا رهبة أخافهم بها. وهذه من خصائصه [1] .
من كمال الصديق استعانته بالشديد
ومن كمال عمر استعانته باللين
كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - مبعوثًا بأعدل الأمور وأكملها - فهو الضحوك، القتال، وهو نبي الرحمة، ونبي الملحمة، بل أمته موصوفون بذلك في مثل قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [2] وقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [3] فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين شدة هذا ولين هذا، فيأمر بما هو العدل وهما يطيعان فتكون أفعالهما على تمام الاستقامة. فلما قبض الله نبيه وكان كل منهما خليفة على المسلمين خلافة نبوة، كان من كمال أبي بكر أن يولي الشديد ويستعين به ليعتدل أمره، ويخلط الشدة باللين - فإن مجرد اللين يفسد، ومجرد الشدة يفسد - ويكون قد قام مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يقوم باستشارة عمر وباستنابة خالد ونحو ذلك، وهذا من كماله الذي صار به خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا اشتد في قتال أهل الردة شدة برز بها على عمر وغيره، فجعل الله فيه من الشدة ما لم يكن فيه قبل ذلك ... [1] منهاج جـ3/125، جـ4/216، 252، 297. [2] سورة الفتح: 29. [3] سورة المائدة: 54.