وأخبارهم؛ فإن أبا بكر باشر الأهوال التي كان يباشرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الإسلام إلى آخره، ولم يجبن ولم يحرج، ولم يفشل. وكان يقدم في المخاوف يقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ويجاهد المشركين تارة بيده، وتارة بلسانه، وتارة بماله، وهو في ذلك كله مقدم.
وكان يوم بدر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في العريش [1] . مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ثابت القلب، رابط الجأش، يظاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعاونه ويذب عنه، ويخبره بأنا واثقون بنصر الله. والنظر إلى جهة العدو، وهل قاتلوا المسلمين أو لا؟ والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل، وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحال [2] . وفي الصحيح: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان يوم بدر في العريش معه الصديق أخذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعسة من النوم، ثم استيقظ مبتسمًا، فقال: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع» ، وفي رواية ابن إسحاق: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، وهذا جبريل آخذ بعناه فرسه يقوده على ثناياه النقع» يعني الغبار [3] . [1] وحده. [2] ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من وراءه وقال: يا نبيا لله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأمده الله بالملائكة» (مسلم ك32 ب18 ص1383، 1384) البخاري (64 ب4) . [3] عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب» ، البخاري ك64 ب11، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية جـ3/ 276، 280، 283، 284) طرق هذا الحديث ورواته.