ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأبو بكر خرجا بعد ذلك من العريش، ورماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الرمية التي قال فيها: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [1] . والصديق قاتلهم حتى قال له ابنه عبد الرحمن: قد رأيتك يوم بدر فصدفت عنك، فقال: ولكني لو رأيتك لقتلتك.
والمسلمون كانت لهم هزيمتان يوم أحد ويوم حنين، والمذكور في السير والمغازي أن أبا بكر، وعمر ثبتا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين لهم ينهزما مع من انهزم [2] .
ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم حتى أوهنت العقول فهذا ينكر موته، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه، وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته، فقام الصديق رضي الله عنه بقلب ثابت وفؤاد شجاع فلم يجزع ولم ينكل، وقد جمع الله له بين الصبر واليقين؛ فأخبرهم بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الله قد اختار له ما عنده، وقال لهم: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [3] ثم خطبهم [1] سورة الأنفال: 17. [2] ولما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصابه يوم أحد انصرف المشركون خاف أن يرجعوا قال: «من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً كان فيهم أبو بكر، والزبير» . أخرجه البخاري عن عائشة (انظر ك64 ب25) . [3] سورة آل عمران: 144.