استولى على الأمد [1] ، فتى قريش ناشئًا، وكهفها كهلاً، يفك عانيها، ويريش مملقها [2] ، ويرأب شعبها [3] ، ويلم شعثها [4] ، حتى حليته قلوبها. ثم استشرى في الله فما برحت شكيمته في ذات الله تعالى [5] ، تشتد، حتى اتخذ بفنائه مسجدًا يحيي فيه ما أمات المبطلون. وكان رحمه الله غزير الدمعة، وقيذ الجوانح [6] ، شجى النشيج [7] ، فتتقصف عليه نساء مكة وولدانها [8] يسخرون منه ويستهزئون به {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فأكبرت ذلك رجالات من قريش فحنت إليه قسيها، وفوقت لها سهامها، وأنثلوه غرضًا [9] ، فما فلوا له صفاة [10] ، ولا قصفوا له قناة [11] ، ومر على سيسائه [12] حتى إذا ضرب الدين [1] الأمد: الغاية التي تنصب للمتسابقين. [2] يريش: يعطي ويفضل. المملق: الفقير. [3] الرأب الجمع والشد يقال: رأب الصدع إذا شعبه ورأب الشيء إذا جمعه وشده برفق. [4] يضم متفرق أمر هذه الأمة وكلمتها. [5] ثم استشرى في دينه: أي جد وقوي واهتم به. وقيل هو من شرى البرق واستشرى إذا تتابع لمعانه (النهاية) ، فما برحت شكيمته في الله، أي: شدة نفسه، يقال: شديد الشكيمة إذا كان عزيز النفس أبيًا قويًا، وأصله من شكيمة اللجام، فإن قوتها تدل على قوة الفرس. (النهاية) . [6] أي محزون القلب، كأن الحزن قد كسره وضعفه، والجوانح تجن القلب وتحويه، فأضافت الوقود إليها. النهاية [7] شجي النشيج: الشجو الحزن، وقد شجى يشجي فهو شجي، والنشيج الصوت يتردد في الحلق (النهاية) . [8] كان رضي الله عنه يصلي ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم. أي يزدحمون. [9] نثلته ونصبته غرضًا. الغرض ما يقصد بالرمي. [10] أي كسروا له حجرًا. كنت به عن قوته في الدين (النهاية) . [11] ولا قصفوا له قناة: أي كسروا (النهاية) . [12] على سيسائه: على شدته وقوته، والسيساء عظم الظهر وحده تضربه العرب مثلاً في شدة الأمر.