responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 162
من مواقف آبائهم وذويهم وأقربائهم المتشددة تجاههم، فضحوا بكل ما كانوا يتمتعون به من امتيازات قبل دخولهم في الإسلام، وتعرضوا للفتنة رغبة فيما عند الله تعالى من الأجر والثواب، وتحملوا أذى كثيرًا، وهذا فعل الإيمان في النفوس، عندما يخالطها فتستهين بكل ما يصيبها من عنت وحرمان, إذا كان ذلك يؤدي إلى الفوز برضا الله تعالى وجنته.
هذا, ولم يكن التعذيب والأذى مقصورًا على رجال المسلمين دون نسائهم، وإنما طال النساء أيضا قسط كبير من الأذى والعنت بسبب إسلامهن كسمية بنت خياط وفاطمة بنت الخطاب ولبيبة جارية بني المؤمل، وزنيرة الرومية، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وحمامة أم بلال وغيرهن [1].

خامسًا: حكمة الكفّ عن القتال في مكة واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء الداخلي:
كان المسلمون يرغبون في الدفاع عن أنفسهم, ويبدو أن الموقف السلمي أغاظ بعضهم وخاصة الشباب منهم، وقد أتى عبد الرحمن بن عوف وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة قال: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم» [2] وتعرض بعض الباحثين للحكمة الربانية في عدم فرضية القتال في مكة ومن هؤلاء الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى- فقد قال: لا نجزم بما نتوصل إليه لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة، ونفرض أسبابًا وعللاً قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية، أو وقد تكون.
ذلك أن شأن المؤمن أمام أي تكليف, أو أي حكم من أحكام الشريعة, هو التسليم المطلق؛ لأن الله سبحانه هو العليم الخبير، وإنما نقول هذه الحكمة والأسباب من باب الاجتهاد, وعلى أنه مجرد احتمال؛ لأنه لا يعلم الحقيقة إلا الله، ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح [3]. ومن هذه الأسباب والحكم والعلل بإيجاز:
1 - أن الكف عن القتال في مكة, ربما لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد في بيئة معينة، لقوم معينين، وسط ظروف معينة، ومن أهداف التربية في مثل هذه البيئة: تربية الفرد العربي على الصبر, على ما لا يصبر عليه عادة, من الضيم حين يقع عليه أو على من يلوذون به, ليخلص من شخصه ويتجرد من ذاته، فلا يندفع لأول مؤثر، ولا يهتاج لأول مهيج, ومن ثم يتم الاعتدال في طبيعته وحركته، ثم تربيته على أن يتبع نظام المجتمع الجديد بأوامر القيادة الجديدة، حيث لا يتصرف إلا وفق ما تأمره -مهما يكن مخالفًا

[1] انظر: محنة المسلمين في العهد المكي ص116، 117.
[2] انظر: السيرة النبوية الصحيحة، (1/ 158).
[3] الظلال: (2/ 714).
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 162
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست