ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكوهم عنده، ويخبره بما قاله سلمان وبلال لأبي سفيان، فقال له - صلى الله عليه وسلم - مستفهماً: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم؛ لقد أغضبت ربك».
ذعر الصديق لما سمع، فانطلق يسارع في خطاه إلى هؤلاء الضعفة الذين يغضب الله لغضبهم، فأتاهم، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا. ويغفر الله لك يا أُخي [1].
قال النووي: "وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقتِه هؤلاء، وفيه مراعاة قلوبِ الضعفاء وأهلِ الدين وإكرامُهم وملاطفتُهم" [2].
ولئن كان الناس يعيرون بالفقر والمسكنة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نبه أصحابه إلى أنهما ليسا منقصة لأحد، لا بل قد يكونان سبباً في النجاة ورفعة الدرجات، كيف لا والفقراء أسبق من غيرهم إلى الجنة: «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً» [3]، لذلك كان - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يدعو الله [1] أخرجه مسلم ح (2504). [2] شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 66). [3] أخرجه مسلم ح (2979).