الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس».
قالوا: فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو، ولم يأمره بإعادتها، ولو كانت باطلة كما زعمتم لأمره بإعادتها.
قالوا: وهذا هو السر في سجدتي السهو، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد، وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة. ولهذا سماهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرغمتين» [1]، وأمر من سها بهما ولم يفصل في سهوه الذي صدر عنه موجب السجود بين القليل والكثير، والغالب والمغلوب، وقال «لكل سهو سجدتان» [2] ولم يستثن من ذلك السهو الغالب، مع أنه الغالب.
قالوا: ولأن شرائع الإسلام على الأفعال الظاهرة، وأما حقائق الإيمان الباطنة فتلك عليها شرائع الثواب والعقاب، فلله تعالى حكمان: حكم في الدنيا على الشرائع الظاهرة وأعمال الجوارح، وحكم في الآخرة على الظواهر والبواطن، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل علانية المنافقين، ويكل أسرارهم إلى الله فيناكحون، ويرثون ويورثون، ويعتد بصلاتهم في أحكام الدنيا، فلا يكون حكمهم حكم تارك الصلاة، إذ قد أتوا بصورتها الظاهرة، وأحكام الثواب والعقاب ليست إلى البشر، بل إلى الله، والله يتولاه في الدار الآخرة. [1] أبو داود (رقم: 1027) وابن خزيمة (رقم: 1063). [2] أخرجه الطيالسي (رقم: 997) وعبد الرزاق (رقم: 3533) وابن ابي شيبة (رقم: 4483) وأحمد (رقم: 22470) وأبو دواد (رقم: 1038) وابن ماجه (رقم: 1219) والطبراني (رقم: 1412) والبيهقي (رقم: 3638).