والله غني عن العباد وعن طاعاتهم، وهم الفقراء إليه.
وصلاح الحياة يتحقق بشكر الناس لربهم، ونفوس الناس تزكو بالاتجاه إلى الله، وتستقيم بشكر الخير، وتطمئن إلى الاتصال بالمنعم، فلا تخشى نفاد النعمة وذهابها، ولا تذهب حسرات وراء ما ينفق أو يضيع منها، فالمنعم موجود، والنعمة بشكره تزكو وتزيد.
وأعظم النعم نعمة الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، ولكن النفوس المريضة لا تقبل هذه النعمة ولا تحس بالحاجة إليها، بل قد تشعر أنها تضرها كم قال كفار مكة للرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)} [القصص: 57].
ألا ما أعجب حال هؤلاء الذين وهبهم الله نعمة الإيمان، الذي هو النور الذي يهتدي به الإنسان إلى السعادة في الدنيا، ويصل به إلى الجنة في الآخرة.
ثم هم يتركون هذا كله .. ويأخذون بدله كفراً .. أولئك هم السادة والقادة من الكبراء .. وبهذا الاستبدال العجيب قادوا قومهم إلى جهنم وأنزلوهم بها، وبئس ما أحلوهم من مستقر: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28، 29].
إن عقيدة الإيمان والتوحيد هي النعمة الكبرى على البشرية كلها، وبها يصل إلى كل ذي حق حقه، وهي خطر على سلطان الطواغيت في كل زمان ومكان، يحذرونها ويحاربونها ويتقونها بكل وسيلة، لأنهم لا يسمحون بإعطاء كل ذي حق حقه.
إن الله تبارك وتعالى غني كريم، فتح باب الكون على مصراعيه، تنطق سطوره الهائلة بآيات الله الكبرى، وبنعم الله التي لا تحصى، وتتوإلى صفحاته بألوان هذه النعم على مد البصر، معروضة ومبذولة كل آن:
السموات والأرض .. والشمس والقمر .. والليل والنهار .. الماء النازل من