وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].
وإذا كانت هناك أمم لا تستقيم على دين الله ثم تنال الوفر والغنى، فإنها تعذب بآفات أخرى في إنسانيتها أو أمنها، أو قيمة الإنسان وكرامته فيها، تسلب عن ذلك الغنى والوفر معنى الرخاء والطمأنينة، وتحيل الحياة إلى تعاسة وتردٍ في الأخلاق.
والرخاء كالشدة ابتلاء من الله للعباد وفتنة كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].
والصبر على الرخاء، والقيام بواجب الشكر عليه، والإحسان فيه، أشق على النفس من الصبر على الشدة.
فكثيرون يصبرون على الشدة ويتماسكون لها، بحكم ما تثيره في النفس من تجمع ويقظة، ومن ذكر لله والتجاء إليه، واستعانة به، حين تسقط الأسناد في الشدة، فلا يبقى إلا ستره وعونه.
فأما الرخاء فيلهي وينسي ويطغي، ويرخي الأعضاء، ويقيم عناصر المقاومة في النفس، ويهيئ الفرصة للغرور بالنعمة، والاستنامة للشيطان، والكبر والطغيان: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7].
والله سبحانه الذي أعطى النعم للإنسان قادر على أخذها.
ولذلك فأول الأشياء في بقاء النعم:
نسبة الفضل إلى الله في حصولها للعبد .. وشكر الله عليها .. واستعمالها في طاعته .. وأداء حق الله فيها من الزكاة .. وإخراج حق من أوصى الله بهم من الفقراء والمساكين .. وذلك الذي يحفظها ويزيدها بركةً ونماءً.
فإن أنكر الإنسان قدرة الله في حصول النعمة ونسبها إلى نفسه، عاقبه الله بتلفها وزوالها كما حصل لقارون، حيث خسف الله به وبداره الأرض.
وإن منع حق الفقراء والمساكين منه، عاقبه الله كذلك بزوالها، وانتقم لحق