وهذا حال أكثر الخلق، وهم الأشقياء الذين لم يقبلوا هدى الله، ولم يرفعوا به رأساً، ومن كان بهذه المثابة فليس من المسلمين.
والله عزَّ وجلَّ أعلم بمواقع فضله ورحمته وتوفيقه، ومن يصلح لها، ومن لا يصلح لها.
وحكمته جل وعلا تأبى أن يضع ذلك عند غير أهله، كما تأبى أن يمنعه من يصلح له.
وهو سبحانه الذي جعل المحل صالحاً، وجعله أهلاً وقابلاً.
فمنه الإعداد .. ومنه الإمداد .. ومنه التوفيق.
فإن قيل فهلا جعل المحال كلها كذلك، وجعل القلوب على قلب واحد؟
قيل هذا القائل من أجهل الناس، وأضلهم، وأسفههم، وأصغرهم عقلاً.
وهو بمنزلة من يقول: لم خلق الله الأضداد؟.
وهلا جعلها كلها سبباً واحداً؟.
فلم خلق الليل والنهار .. والشياطين والملائكة .. والحر والبرد .. والداء والدواء .. والروائح الطيبة والكريهة .. والحلو والمر .. والحسن والقبيح .. والذكر والأنثى؟.
ومن له أدنى مسكة من عقل يعلم أن هذا السؤال يدل على حمق سائله، وفساد عقله.
وهل خلق هذه الأشياء المتقابلة إلا موجب ربوبيته وإلهيته، وملكه وقدرته، ومشيئته وحكمته، ومحال أن يتخلف موجب صفات كماله عنها؟.
وهل حقيقة الملك إلا بإكرام الأولياء، وإهانة الأعداء؟.
وهل تمام الحكمة، وكمال القدرة، إلا بخلق المتضادات والمتقابلات والمختلفات، وترتيب آثارها عليها؟.
وهل ظهور آثار أسمائه وصفاته في العالم إلا من لوازم ربوبيته وملكه جل جلاله وعز سلطانه؟.