فهل يكون رزاقاً وغفاراً، وحليماً ورحيماً، ولم يوجد من يرزقه، ولا من يغفر له، ولا من يحلم عنه ويرحمه؟.
وهل انتقامه إلا من لوازم ربوبيته وملكه؟.
فممن ينتقم إن لم يكن له أعداء ينتقم منهم؟.
ويري أولياءه كمال نعمته عليهم، واختصاصه إياهم دون غيرهم بكرامته وثوابه.
وليس في الحكمة تعطيل الخير الكثير لأجل شر جزئي يكون من لوازمه.
فالغيث الذي يحيي الله به البلاد والعباد، والشجر والدواب، كم يحبس من مسافر؟، وكم يهدم من بناء؟، وكم يعوق من مصلحة؟.
ولكن أين هذا مما يحصل به من المصالح العظيمة من الإرواء والإنبات والحياة؟.
وهل تلك المفاسد في جنب هذه المصالح العامة النافعة إلا كتفلة في بحر؟.
وهل تعطيله لئلا تحصل تلك المفاسد، إلا موجبٌ لأعظم المفاسد والهلاك والدمار؟.
وهذه الشمس التي سخرها الله لمنافع عباده، وإنضاج ثمارهم وأقواتهم، كم تؤذي بحرّها مسافراً وغيره؟، وكم تجفف رطوبة؟، وكم تعطش من البهائم؟، وكم تحرق من نبات أخضر؟.
ولكن أين يقع هذا في جنب ما فيها من المنافع والمصالح؟.
فتعطيل الخير الكثير لأجل الشر اليسير شر كثير، وهو خلاف موجب الحكمة الذي تنزه الله سبحانه عنه.
فحقيقة الإنسان أن نفسه جاهلة ظالمة، فقيرة محتاجة للعلم والهدى.
والشر الذي يحصل للإنسان نوعان: عدم .. ووجود.
فالأول: كعدم العلم والإيمان، وعدم الصبر وإرادة الخير، وعدم العمل بذلك.
والثاني: الشر الوجودي: كالعقائد الباطلة، والإرادات الفاسدة.
فذلك من لوازم ذلك العدم، فمتى عدم العلم النافع والعمل الصالح من النفس،