ربه، ولسهولة وصوله إليك جعل الله في رأس الثدي حلمة هي بمقدار صغر فمك، فلا يضيق عنها، ولا يتعب بالتقامها: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 6].
ثم نقب سبحانه في رأس الحلمة نقباً صغيراً يناسب حالك، لم يوسعه فتختنق باللبن، ولم يضيقه فتمصه بكلفة.
فسبحان من عطف قلب الأم على مولودها، ووضع فيه الحنان العجيب، والرحمة الباهرة، تسهر من أجلك، وتؤثرك بكل شيء، وهي منقادة مسرورة.
حتى إذا قوي بدنك، واتسعت أمعاؤك، وخشنت عظامك، واحتجت إلى طعام يشتد به عظمك، ويقوى عليه لحمك، أنبت في فيك آلة القطع والطحن من الأسنان والأضراس.
فسبحان الذي حبسها وقت الرضاع رحمةً بأمك، ثم أعطاكها أيام أكلك رحمةً بك ولطفاً بك.
وكلما ازددت قوة وحاجة إلى الأسنان في أكل الطعام زيد لك في تلك الأسنان، حتى تنتهي إلى النواجذ، فتطيق نهش اللحم، وقطع الخبز، ثم إذا ازددت قوة، زيد لك فيها حتى تنتهي إلى الطواحين التي هي آخر الأضراس.
ومن رحمته سبحانه بالإنسان أن أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فإنه على ضعفه لا يحتمل العقل والفهم والمعرفة، وإنما يعطي ذلك تدريجياً كما ينمو تدريجياً رحمةً من ربه العزيز الرحيم.
فلا يزال يتزايد فيه العقل والمعرفة شيئاً فشيئاً، حتى يألف الأشياء ويتمرن عليها، ويستقبلها بحسن التصرف فيها، وحسن التدبير لها.
وخص سبحانه الذكر بأن جمل وجهه باللحية، وقاراً وهيبةً له، وجمالاً وزينة، وفصلاً له عن سن الصبا، وفرقاً بينه وبين الإناث.
وبقيت الأنثى على حالها، لما خلقت له من استمتاع الذكر بها، فبقي وجهها على حاله ونضارته، ليكون أهيج للرجل على الشهوة، وأكمل للذة الاستمتاع.