الحروف والكلمات والجمل أنواع الكلام:
من أمر ونهي .. ونظم ونثر .. ومضحك ومبك .. ومسل ومحزن .. وما يولد الخوف .. وما يولد الأمن .. ومنه ما يسقم الصحيح .. ومنه ما يبرئ السقيم .. ومنه ما يزيل النعم .. ومنه ما يحل النقم .. ومنه ما يستدفع به البلاء .. ومنه ما يجلب النعماء .. ومنه ما يؤلف القلوب .. ومنه ما يفرق القلوب .. ومنه ما يضل .. ومنه ما يهدي .. ومنه العالي .. ومنه السافل .. ومنه الحسن .. ومنه القبيح.
فسبحان من أخرج هذا كله من هواء ساذج يخرج من الصدر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)} [الشعراء: 8، 9].
وسبحان من أخرج من هواء واحد ما لا يحصيه إلا الله من الحروف والكلمات، والأصوات والأنغام، وأخرج بماء واحد ما لا يحصيه إلا الله من النباتات والأشجار، والأزهار والثمار .. وأخرج بلسان واحد ما لا يحصيه إلا الله من اللغات واللهجات.
فالحلق يمر به هواء واحد، والأرض تسقى بماء واحد، والمواليد من هذ وهذا مختلفة لا يحصي أنواعها إلا الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82].
وما أعظم نعمة الله في الحفظ والنسيان، والذي خص به نوع الإنسان، وما أعظم ما فيهما من الحكم، وما للعبد فيهما من المصالح.
فإنه لولا القوة الحافظة التي خص الله بها الإنسان لدخل عليه الخلل في أموره كلها، ولم يعرف ما له وما عليه، ولا ما أخذ ولا ما أعطى، ولا ما سمع وما رأى، ولا ما قال ولا ما قيل له، ولا ذكر من أحسن إليه، ولا من أساء إليه، ولا من نفعه فيقرب منه، ولا من ضره فينأى عنه، ولا يعرف علماً ولو درسه مراراً، ولا يهتدي إلى الطريق الذي سلكه أول مرة ولو سلكه مراراً، ولا ينتفع بتجربة، ولا يعرف من عامله.