إن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فصعودها ونزولها وحركتها أخف من حركة البدن وأسرع.
والنعيم والعذاب في القبر على البدن والروح معاً، تنعم الروح وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم وتعذب متصلة بالبدن.
وعذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع، أو أحرق حتى صار رماداً، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب أو النعيم ما يصل إلى المقبور.
فإن قيل، وقد قيل، وما قيل إلا بسبب الجهل بالله ودينه وشرعه .. عذاب القبر ونعيمه .. وسعته وضيقه .. وكونه حفرة من حفر النار .. أو روضة من رياض الجنة، قد كشفنا القبر وما رأينا ذلك؟.
ولا رأينا الملائكة التي تعذب الكفار؟.
ووجدنا القبر كما حفرناه وقبرناه لم يزد ولم ينقص؟.
وكيف يسع القبر الميت مع من يعذبه أو يؤنسه أو يسأله؟.
ونرى المصلوب على خشبة لا يتحرك ولا يسأل ولا يجيب؟.
وكذلك من أكلته السباع، ومن احترق، ومن تفرقت أجزاؤه؟.
وكيف يسأل من تفرقت أجزاؤه في الرياح والبحار والتراب؟.
فيقال لهؤلاء وأمثالهم: كتاب الله تنزيل من حكيم عليم، والرسل لم تأت بما تحيله العقول، وتقطع باستحالته.
بل ما جاء به الرسل قسمان:
أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر.
الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها، كأمور الغيب التي أخبروا بها عن البرزخ، واليوم الآخر كالصراط والميزان، والجنة والنار ونحو ذلك.
ولا يكون خبر الرسل محالاً في العقول أصلاً.
وكل خبر يُظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أمرين: