فسبحان الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
وأعجب من ذلك كله ما هو أظهر من كل ظاهر، وهو قطرة الماء، هذا الجسم الرقيق السيال، متصل الأجزاء، كأنه شيء واحد، لطيف التركيب، سريع الاتصال والانفصال.
به حياة كل ما على وجه الأرض من نبات وحيوان كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} [الأنبياء: 30].
ومن آيات الله الدالة على عظمته، هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والأرض، يدرك حسه ولا يرى شخصه، وجملته مثل البحر الواحد، والطيور محلقة فيه في جو السماء، سابحة بأجنحتها في الهواء، كما يسبح حيوان البحر في الماء، وتضطرب جوانبه وأمواجه، كما تضطرب أمواج البحر.
ومن آياته سبحانه ملكوت السموات، وما فيها من النجوم والكواكب.
ومن عرف عجائب الأشياء، وفاتته عجائب السموات فقد فاته الكل، فالأرض وما فيها من النبات والحيوان، والبحار والجبال، وكل جسم سوى السموات بالإضافة إلى السموات كقطرة في بحر أو أصغر كما قال سبحانه: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)} [النازعات: 27، 28].
وكما يعظم الناس عالماً، بسبب معرفتهم بعلمه ومؤلفاته، فيزدادون بمعرفته توقيراً له، وتعظيماً واحتراماً.
فكذلك كلما استكثر الإنسان من معرفة أسماء الله وصفاته، وعجيب صنع الله، كانت معرفته بجلاله وعظمته أتم، وتوقيره أعظم، وعبادته أكمل.
وهكذا التأمل والنظر في المخلوقات؛ فكل ما في الوجود من خلق الله وصنعه، والنظر والفكر فيه لا يتناهي، وإنما لكل عبد منه بقدر ما رزق: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101].
ومن عود نفسه الفكر في عظمة الله وجلاله وقدرته، والنظر في خلقه وملكه،