صار ذلك عنده ألذ من كل نعيم، لأن ذلك غذاء قلبه وروحه، لا مانع عنه، ولا مزاحم فيه.
والعاقل من يطلب نعيماً لا زحمة فيه، ولذة لا تتكدر، ولايوجد ذلك في الدنيا إلا في معرفة الله تعالى، وعجائب مخلوقاته، والإيمان به، ولذة مناجاته.
وإنما يحصل الشوق بعد الذوق، فمن لم يذق طعم الإيمان لم يعرف، ومن لم يعرف لم يشتق، ومن لم يشتق لم يطلب، ومن لم يطلب لم يدرك، ومن لم يدرك فهو من المحرومين.
فأصل كل حرمان سببه الجهل بالله وأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه.
وأصل كل طاعة ونجاة إنما هو الفكر في أسماء الله وصفاته .. وأفعاله وخزائنه .. وفيما خلق له الإنسان .. وفيما أمر به .. وفيما أعد له من النعيم المقيم .. أو العذاب الأليم.
فتولد تلك المعرفة بالله إقبالاً ونشاطاً بحسب قوتها أو ضعفها، فيزداد القلب فرحاً وأنساً بربه، وتتلذذ الجوارح بالطاعة والعبادة.
وكذلك أصل كل معصية إنما يحصل من جانب الفكر .. فإن الشيطان يصادف أرض القلب خالية فارغة .. فيبذر فيها حب الأفكار الرديئة .. فيتولد منه الإرادات الفاسدة .. فيتولد منها العمل الذي يغضب ربه .. ويحبط عمله .. ويكون سبباً لهلاكه.
وإذا تدبرنا القرآن وجدنا أن الله يريد منا في الدنيا أن نكمل الإيمان، والأعمال الصالحة، والأخلاق، ونحذر المعاصي، لندخل الجنة.
والشيطان يريد منا أن نكمل شهواتنا الآن، ونعطل الأوامر، ونعيش على هوانا، ولو دخلنا النار يوم القيامة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} [النساء: 27].
والله سبحانه يريد منا أن نكمل محبوباته في الدنيا من الإيمان والإحسان،