وهؤلاء الذين أحسنوا الاعتقاد، وأحسنوا العمل، وأحسنوا القول، وأحسنوا إلى أنفسهم، وأحسنوا إلى غيرهم، وأحسنوا معرفة الصراط المستقيم المؤدي إلى دار السلام.
هؤلاء ماذا أعد الله لهم من النعيم والثواب الجزيل؟: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس: 26].
فلهم الحسنى جزاء ما أحسنوا، وعليها زيادة من فضل الله غير محدودة، وهم ناجون من كربات يوم الحشر، ومن أهوال الموقف، والنجاة من هذا كله غنيمة وفضل من الله يضاف إلى ما سبق.
والوالدان يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد والإحسان إليهما، والتضحية بكل شيء من أجلهم.
وكما تمتص النابتة الخضراء كل شيء في الحبة فإذا هي فتات، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق، وكل عافية، وكل جهد، وكل هم من الوالدين، فإذا هما شيخوخة فانية عاجزة، وهما مع ذلك سعيدان.
ولكن الأولاد سرعان ما ينسون هذا كله .. ويندفعون إلى الأمام .. إلى الزوجات والذرية .. ومن ثم يحتاج الأولاد إلى استجاشة وجدانهم بقوة .. ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف وهم الوالدان.
ومن هنا يأتي الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله، يحمل معنى الأمر المؤكد بعد الأمر المؤكد بعبادة الله كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23، 24].
والله تبارك وتعالى هو المحسن إلى عباده بصنوف النعم، وهو الذي خلق كل شيء، وكل ما خلقه الله يتجلى فيه الإحسان والإتقان.