فهذه الفطرة قد تفسد بسبب المؤثرات، وبسبب الإغواء والتزيين الذي يقوم به شياطين الإنس والجن، بكل ما يملكون من أجهزة التوجيه والتأثير.
إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله، وهداه وكتبه، ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها، وليرد عقولهم إلى صحتها وسلامتها، وليجلو عنهم غاشية الظلام والتضليل الذي أصابهم.
وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وحكمته وعلمه.
فما كان الله ليخلق البشرية، ويجمعهم في الأرض، ثم يتركهم سدى، ثم يحاسبهم يوم القيامة، ولم يبعث فيهم رسولاً يبين لهم ما يتقون، وينزل عليهم كتاباً به يهتدون.
بل منَّ الله على البشرية كافة، ببعثة الأنبياء والرسل إليهم كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164].
وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالتوحيد المطلق الخالص الذي لا ظل فيه للشرك في صورة من صوره .. وأمروهم بعبادة الله وحده .. وأخبروا أممهم أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً .. ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه .. ولا يملكون بسط الرزق أو قبضه لأحد .. وأنذروا قومهم الآخرة .. وما فيها من حساب وجزاء، وثواب وعقاب.
فهذه الأصول التي دعا إليها كل رسول من رسل الله إلى عباده.
والإيمان بالرسل ليس فقط اعتقاد بالقلب، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به، في نصرة هؤلاء الرسل، وشد أزرهم فيما ندبهم الله له، وفيما وقفوا حياتهم كلها لأدائه .. وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده.
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ودينه وشرعه مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس كافة.