والأسباب من أموال وتراب، ونبات وحيوان وغيرها، ليس بيدها شيء، وإنما الأمر كله لله، وهي أمام رب الأسباب كالخدم ينفقون من خزائن الملك بأمره.
فلو أن ملكاً من الملوك جعل لقصره مائة باب، وجعل على كل باب خادماً، وقال لكل خادم من جاء من الناس يسأل فأعطه فلساً فقط، فإن اعترض معترض، فقل هذه أوامر الملك، وأنا ليس بيدي شيء.
فجاء جليس الملك وقال: أنا أحتاج مائة ألف فأعطني؟.
فقال الخادم: أنا لا أملك أن أعطيك إلا فلساً واحداً فقط، لكن إن كنت من خواصه فادخل عليه من الباب الآخر، وهو يعطيك إذا شاء ما يريد.
ولله المثل الأعلى، جميع الأسباب جعلها الله باباً صغيراً ينتفع منه الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم، والله يرزقهم بواسطتها، فهذا باب الأسباب.
أما العطاء الجزيل، العطاء الكبير، فالله يعطيه بنفسه، فيطلب من الملك مباشرة بالإيمان والأعمال الصالحة كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].
وقال الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
وإذا عاش الإنسان مع الأسباب بدون الإيمان نزلت به خمس عقوبات، كل واحدة أشد مما قبلها:
الأولى: الإسراف: فإن من لم يتقيد بأوامر الله وحدوده، أصيب بآفة الإسراف، وبغض الله له، فهو مسرف على نفسه، ومحروم من محبة الله، فإن الله لا يحب المسرفين.
الثانية: التبذير: فبعد الإسراف يأتي التبذير، لعدم الإيمان بالله، فهو يسرف ثم يبذر، والتبذير من صفات الشياطين، فيكون أخاً لهم، لأنه اتصف بصفاتهم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء: 27].