وإن اجتهد على الإيمان والأعمال الصالحة تخدر قلبه عن المشاهدات، وأقبل على ربه، فاشتغل بالطاعات، واجتنب المحرمات، واشتغل بما وعده الله به، عن ما قسم له، من الرزق.
وفي هذه الحياة الدنيا متاع جذاب براق، وهناك أولاد وأرزاق، وشهوات ولذائذ، وجاه وسلطان.
وهناك نعم آتاها الله لعباده في الأرض تلطفاً منه، وهبة خالصة لم يعلقها بطاعة ولا معصية، ولا إيمان ولا كفر، وإن كان يبارك للطائع ولو في القليل، ويمحق البركة من العاصي ولو كان في يده الكثير.
ولكن هذا كله ليس له قيمة ثابتة باقية، إنما هو متاع زائل، محدود الأجل.
ولا يعد بذاته دليل كرامة عند الله أو مهانة، ولا يعتبر بذاته علامة رضى من الله أو غضب: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون: 56].
إنما هو متاع، وما عند الله خير وأبقى، خير في ذاته، وأبقى في مدته، ومتاع الحياة الدنيا زهيد معدود الأيام، وهو بالنسبة لنعيم يوم القيامة ومضة عين أو تكاد: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)} [الشورى: 36].
والرزق نوعان:
أحدهما: ما علم الله وقدر أنه يرزقه لعبده، فهذا لا يتغير ولا يزيد ولا ينقص.
الثاني: ما كتبه الله وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب التي قدرها الله.
فإذا كان الله قد قدر أنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب.
وما قدره له من الرزق بغير اكتساب ولا سعي كالميراث والهبات والصدقات والوصايا يأتيه بغير اكتساب ولا سعي.