ألطف تدبيره لما يصلحهم: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)} [الحج: 65].
لقد خلقك الله ورزقك وعافاك وهداك .. وعصم عرضك بإيجاب الحد بقذفك .. وعصم مالك بقطع يد من سرقه .. وأباح لك الميتة عند الضرورة سداً لرمقك .. وزجرك عما يضرك بحد عاجل ووعيد آجل .. وأسقط شطر الصلاة في السفر عنك رحمة بك.
وأنزل عليك الكتب .. وأرسل إليك الرسل .. وأطعمك وسقاك .. وألبسك وكساك .. وأسكنك الديار .. وأركبك المراكب .. ورزقك الأموال والأولاد .. وزودك بالسمع والبصر والعقل .. وأمرك بالعمل الصالح .. ووعدك على ذلك الجنة.
أما يليق بهذا المنعم العظيم الذي هذه بعض نعمه أن توقره؟ .. وتعظم شعائره؟ .. وتطيع أوامره؟ .. وتجتنب زواجره؟ .. وتحذر من عدوه؟.
أيحسن بك مع هذا الإكرام أن يراك على ما نهاك عنه مقبلاً؟، ولما أمرك تاركاً؟.
وعن داعيه معرضاً، ولداعي عدوه مطيعاً؟.
ما أفحش تلاعب الشيطان بالإنسان، بينما هو بحضرة الحق، والملائكة سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات، إلى أن يوجد مع البهائم عاكفاً على الشهوات .. أو يوجد ساجداً لصورة في حجر .. أو لشجرة من الشجر .. أو لشمس أو قمر .. أو لحيوان أو بشر.
لا يليق بهذ الحي الكريم الفاضل على جميع الحيوانات أن يُرى إلا عابداً لله في دار التكليف، ومجاوراً له في دار الجزاء والتشريف، وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير موضعها: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76].
إن الله تبارك وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء .. والخير والشر .. والرخاء والشدة .. فالرخاء ابتلاء من الله وفتنة .. والشدة كذلك ابتلاء من الله وفتنة.
والصبر على الرخاء، أشق من الصبر على الشدة.