التي تنقلت به من بلد إلى بلد، وربته تربية عجزت الملوك وأبناؤها عنها، حتى استُفتي في الفقه وله ثلاث عشرة سنة.
وكذا فعلت أم الإمام "ربيعة بن أبي عبد الرحمن" شيخ الإمام مالك، فقد كان ثمرة تربية أم فاضلة أنفقت عليه أمه ثلاثين ألف دينار خلَّفها زوجها عندها، وهي حامل به، وخرج إلى الغزو، ولم يعد لها إلا بعد أن استكمل ولده الرجولة والمشيخة.
وها هي أم الإمام مالك إمام دار الهجرة تؤزه على طلب العلم، وتلبسه ثياب العلم، وتقول له: "اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه".
ومات والد الإمام الشافعي وهو جنين أو رضيع، فتولته أمه بعنايتها، وأشرقت عليه بحكمتها، وتنقلت به من "غزة" إلى "مكة" مستقر أخواله، فربته بينهم هنالك.
ونشأ الإمام الشافعي يتيمًا فقيرًا، ولم تستطع أمه دفع أجر معلِّمه، إلا أن المعلم قبل أن يعلمه بدون أجر، وتعهده بالرعاية، وجعل له منزلة خاصة بين التلاميذ، لما لمسه فيه من نباهة، وسرعة في الحفظ.
قال الشافعي رحمه الله: "كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي أن يعلمني بدون أجر، وأن أخلفه في الدرس إذا قام".
وهذا إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله مات أبوه إسماعيل، وهو صغير، فنشأ يتيمًا في حجر أمه، وكان امرأة عابدة صاحبة كرامات.