وهل يمكن أن نغفل تأثير البيئة المحيطة ونركز فقط على ثمرة هذه البيئة في رجل مثل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهل كان يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يمارس دوره في تجديد الدين، ويتهيأ له لولا البيئة الصالحة التي وجَّهته إلى المعالي [1]، وبذرت بذور "الهمة العالية" في قلبه منذ طفولته.
عن سعيد بن عُفير قال: (حدَّثنا يعقوب، عن أبيه أن عبد العزيز ابن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدَّبُ بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهدُه، وكان يُلزمُه الصلواتِ، فأبطأ يومًا عن الصلاة، فقال: "ما حَبَسَكَ؟ " قال: "كانت مُرَجِّلَتي تُسَكِّن شعري"، فقال: "بلغ من تسكين شعرك أن تُؤثِرَه على الصلاة"، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبدُ العزيز رسولًا إليه فما كلَّمه حتى حَلَق شعره).
وعن أبي قَبيل: (أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير، فأرسلت إليه أمه، وقالت: "ما يُبكيك؟ " قال: "ذكرتُ الموت"، قال: وكان يومئذ قد سمع القرآن، فبكت أمُّه حين بلغها ذلك).
ونقل الزبير بن بكار عن العتبي قال: (إن أولَ ما استُبين من عمر [1] أطلق عامة العلماء القول بأن عمر بن عبد العزيز رحمه الله هو مجدد القرن الأول، (ونحن نسلم بذلك، ولكننا نقول: ما كان لعمر بن عبد العزيز أن يقوم بهذه الحركة الواسعة المتعددة الجوانب لولا وجود عدد كبير من أجلاء التابعين وساداتهم، وهم كانوا ساعده الأيمن في تنفيذ مشاريعه التجديدية العظيمة) اهـ. من "البيان" ص (16 - 17) العدد الثالث، وعلى رأس هؤلاء السادات رجاء بن حيوة الذي أشار على سليمان بن عبد الملك عند وفاته باستخلاف عمر بن عبد العزيز، انظر: "سير أعلام النبلاء" (5/ 123).