أعلم بمن يكلم في سبيله - الا جاء يوم القيمة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك".
ما أروع هذا التفسير والاستدراك منه صلى الله عليه وسلم، ليرد به دعوى المدعين للجهاد، في حين أنهم لم يدفعهم إليه حب نصرة الدين وإعزازه، لأن من هؤلاء الأدعياء من ظهرت عليه أمور يخجل الإنسان من ذكرها، في حين أنه يحمل لقب وورقة - مجاهد - أفعال لا يرتضيها الإسلام ولا رب الإسلام الآمر به، فإن النيات لا يعلمها الا علام الغيوب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى أن لا نغتر بالأقوال على ظاهرها، فالله وحده المطلع على سرائر عباده، فليس كل من كلم وجرح زمن القتال كان جرحه لله وفى سبيل الله، بل أمرنا أن لا ننظر إلى الظاهر ولا نحكم بمقتضاه، بل الأمر يحتاج إلى إخلاص النية في العمل لله وحده، كما قال الشاعر العربي "جميل بثينة" لا تغرنكم المظاهر والأقوال، فإن الحقائق قد تكون في غيرهما، وذلك حيث قال:
فَمَا كُلُّ مَخْضُوبِ الْبَنَانِ بُثَيْنَة ٌ ... وَلَا كُلُّ مَصْقُولِ الْحَدِيدِ يَمَانِ
إن فضل المجاهد في سبيل الله على غيره كبير، فلا يعلم ذلك الآن بل سيبقى مخفيا علينا حتى نفد على الله يوم القيامة للحساب والجزاء على الأعمال، يوم تكشف فيه السرائر، ويظهر ما كان مخبوءا في الضمائر، حيث يكون الجزاء على الأعمال الخالصة لله لا على ما كان لغيره.