نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 202
الثلاثة الذين منّ الله بهم عليّ في مكتب عنبر، فقبست منهم وأخذت عنهم: سلام، والمبارك، والجندي.
أما الشيخ عبد الرحمن سلام فهو الذي "جرّأني على امتطاء صهوات المنابر ومقارعة الفرسان في ميادين البيان. والذي كان عجباً من العجب؛ إذا احتاج أن يتكلم في موضوع لم يكُن عليه إلاّ أن يفتح فمه ويحرك لسانه، فإذا المعاني في ذهنه والألفاظ على شفتيه والسحر من حوله، والأنظار متعلقة به والأسماع ملقاة إليه والقلوب مربوطة بحركات يديه. وكان يرتجل الشعر كما يرتجل الخطب، شعراً دون أشعار المطبوعين المجوّدين وفوق شعر الفقهاء. وكان يرمي الكتاب (كتاب النحو) لا يحفل به، ويتكلم من أول الساعة إلى آخرها في اللغة وفي الأدب وفي كل شيء، كأنه كان يريد أن يربّينا على السليقة العربية بالمحاكاة والمران وينفخ فينا من سحره ليجعلنا أدباء قبل الأوان. وأما المبارك فما رأيت (وما أظن أني سأرى) مدرّساً له مثل أسلوبه في الشرح والبيان، وفي امتلاك انتباه الطلاب، وفي نقش الحقائق في صفحات نفوسهم بهذه الضوابط المُحكَمة العجيبة التي تلخّص في جملة واحدة فصلاً من فصول العلم" [1].
وفي يوم من أيام سنة 1923 دخل علينا الشيخ سلام ولكن لا كما كان يدخل كل يوم، وألقى خطبته ولكن لا كما يُلقي؛ دخل حزيناً وألقى خطبة الوداع، ثم ذهب وذهبَت معه قلوبنا. [1] هذا المقطع والذي مرّ قبله في الصفحة السابقة جزء من مقالة «أستاذنا الجندي»، وهي في كتاب «من حديث النفس» (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 202