responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 239
فقر بعده غنى وغنى قد يأتي بعده الفقر؛ لا العالي يبقى فوق ولا الواطي تحت، ولا يدوم في الدنيا حال، والدولاب دوّار. الأحمق يظنها حظوظاً ومصادفات والعاقل يدرك أنه عمل متقَن، فلا البناء الذي يحمل الناعورةَ أقامه الحظّ ولا حرَكتها بنت المصادفات، لكنها هندسة مُحكَمة وحساب دقيق.
ما يُعطى أحد في هذه الدنيا ولا يُحرَم ولا يعلو ولا يهبط إلاّ لحكمة بالغة وأمر مقدَّر، سطّره مقدّره في كتاب. فمن اهتدى إلى هذه الحقيقة واطمأن إلى أنه عادل لا يَظلم، حكيم لا يعبث، سكَنَ واستراح. ومن أنزل غضبه بخشب الناعورة أو بحديدها، يحسب أنها هي أفرغت إناءه وأراقت ماءه، عذّب نفسه بها ولم يَنَلْ منها منالاً.
قعدت الآن أكتب عمّا مرّ بي بعد موت أبي. وقد عرفتم أني لا أعتمد في هذه الذكريات على شيء مكتوب، ما أعتمد إلاّ على ذاكرة خرقها كرّ الليالي فصيّرها مِصْفاة. رجعت إليّ ذاكرتي، فهل تصدّقون أن هذه المرحلة الوعرة من طريق حياتي، المرحلة التي مشيت فيها على الأشواك فلطف الله بي فلم تَدْمَ منها قدمي، وعلى الرّمضاء فلم تُكوَ بها رجلي، هذه المرحلة كادت تُمحى صورها من نفسي.
إي والله، وذلك من نِعَم الله عليّ؛ حتى لا أذكرها فتؤلمني ذكراها. كنت فيها كمَاشٍ على الجادة المعبَّدة، فعاقته العوائق عن الاستمرار فيها واضطرّته إلى تنكّبها وإلى السير في الوعور والقفز من فوق الصخور والتخبّط في المفازات، ثم يسّر الله له العودة إلى الجادة، فمِن فرحه بالخلاص مما كان فيه لم يعُد يريد أن

نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست