نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 241
الحقّ لا لصوغ المجاملات) كانت قاصرة على كثير من المظهر وراءه قليل من الجوهر، وكانت معنيّة بأمور من فروع الفروع، لا بتدعيم الأسس وتثبيت الأصول كما أمر الشرع وصنع الرسول عليه الصلاة والسلام. لقد أثمرت خيراً كثيراً وخرّجت علماء ودعاة، وأحيا بها الله أرض حوران والبلقاء (الأردن)، ولكنْ كان أكثر همّ متّبعيها ومن مشى تحت لوائها إعفاء اللّحى وتكوير العمائم، وأن تتخذ النساء الأُزُر البيض بدل الملاءات السود. استفاد من ذلك تجار الشاش وباعة القماش، وخسر الحلاّقون لمّا نأت عنهم الذقون، كأن هذا هو الدين وهذه أركانه:
أغايةُ الدّينِ أنْ تُحفُوا شواربكم ... يا أمّةً ضحِكَتْ من جهلِها الأممُ
جعلوا مدرستهم أولاً في «الريحانية»، وهي مدرسة قديمة كان واضع اليد عليها الشيخ عبد الجليل الدرا، وسأتحدث عنه إن وفقني الله إلى سرد ما أعرف (أو بعض ما أعرف) من أخبار مشايخ الشام. فلما انتهت السنة المدرسية وجاءت العطلة أغروني بأن أدع الدراسة وأشتغل معلّماً في مدرستهم.
وقبلت، وكلّفوني بتدريس النحو في الصف الرابع الابتدائي. ثم طلب الدرسَ الشيخُ أحمد الدقر، فآثروه به وأعطوني درساً آخر. فأبيت وقلت: لماذا؟ ألأنه ابن الشيخ علي الدقر ولأن أبي مات؟ هلمّ امتحنوني وامتحنوه في النحو والصرف وعلوم العربية كلها، فإن ساويته أو لم أفُقْه إلاّ بالشيء القليل فأنا أدع الدرس. ولم أشترط أن يسبقني لأني كنت أعلم أن هذا بعيد. فأبى الامتحان وأبَوهُ هم، فغضبت وتركت التعليم وعدت إلى التعلّم. وكان بيني
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 241