وقال بشيرُ بنُ عقبة: قلتُ ليزيد بن عبد الله بن الشخير: ما كان مُطَرِّف يصنع إذا هاج في الناس هيج؟ قال: "يلزم قَعْرَ بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي لهم عما انجلت" [1].
وقال قتادةُ: كان مُطَرِّف إذا كانت الفتنةُ نَهَى عنها وَهَرَب، وَكانَ الحسن البصريّ ينهى عنها، ولا يَبْرح، فَقَالَ مُطَرِّف: "ما أشبِّهُ الحسنَ إلَّا برجل يُحَذِّرُ النَّاسَ السيلَ ويقوم بسَنَنهِ" [2].
وعن مالك بن دينار، قال: لما وقعت الفتنة، أتيت الحسن أسأله: يا أبا سعيد، ما تأمرني؟ فلا يجيبني، فقلت: "يا أبا سعيد، أتيتك ثلاثة أيام أسألك، وأنت معلمي فلا تجيبني، والله، لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي، وأشرب من أفواه الأنهار، وآكل من بقل البَرِّيَّةِ، حتى يحكم الله بين عباده"، قال: فأرسل الحسن عينيه باكيًا، ثم قال: "يا مالك، ومن يطيق ما تطيق؟ لكنا والله ما نطيق هذا" [3].
وعن أبي الحارث الصائغ، قال: سألت أبا عبد الله -يعني الإِمام أحمد- في أمر كان حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج، فقلت: "يا أبا عبد الله! ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ " فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: "سبحان الله! الدماء، الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء، ويُستباح فيها الأموال، وينتهك فيها
(1) "الطبقات الكبرى" (7/ 142).
(2) "المصدر نفسه" (7/ 142)، "حلية الأولياء" (2/ 204).
(3) "حلية الأولياء" (2/ 367، 368).