المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-؟ " قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عَمَّت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: "الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به" [1].
وعن أبي المنهال، قال: لما كان زمن أُخْرِجَ ابنُ زياد: وثب مروان بالشام، وابنُ الزبير بمكة، ووثب الذين كانوا يُدعَوْنَ القُرَّاءَ بالبصرة؛ غُمَّ أبي غَمُّا شديدًا، وكان يثني على أبيه خيرًا- قال: قال لي: انطلق إلى هذا الرجل الذي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقت معه، حتى دخلنا عليه في داره، وإذا هو في ظل علو له من قصب، في يوم شديد الحر، فجلست إليه، قال: فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، وقال: يا أبا برزة ألا ترى؟ قال: فكان أول شيء تكلم به، أن قال: إني أحتسب عند الله -عزَّ وجلَّ- أني أصبحتُ ساخطًا على أحياء قريش، وأنكم -معشرَ العرب- كنتم على الحال الذي قد علمتم من جهالتكم، والقلة، والذلة، والضلالة، وأن الله -عز وجل- نَعَّشَكم بالإِسلام، وبمحمد- صلى الله عليه وسلم - خير الأنام، حتى بلغ بكم ما ترون، وإن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، وإن ذاك الذي بالشام والله! إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن الذي حولكم الذين تدعونهم قراءكم: والله! لن يقاتلوا إلا على الدنيا"؛ قال:
(1) "السُّنَة" للخلال (1/ 132).