وقول الآخر يمدح ذا البصيرة النافذة:
بصيرٌ بأعقاب الأمور برأيه ... كأنَّ له في اليوم عينًا على غدِ
ولهذا قال الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى-:
"الفتنة إذا أقبلت عرفها [1] كل عالم [2]، وإذا أدبرت عرفها [3] كل جاهل".
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
فأهل العلم هم أهل البصيرة الذين نوَّر الله قلوبهم فميزوا الحق من الباطل:
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: حدَّثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان فيما يحدثنا أنه قال:
يأتي الدجال -وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة- فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس، أو من خيار الناس، فيقول: "أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه"، فيقول الدجال: "أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ "، فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، [1] بأن يشاهدها بنور بصيرته. [2] فإن كان علمه كاملًا أبصرها قبل مجيئها ورأى نتائجها، وكأنه يهتك حُجُبَ الغيب، ويتأخر وقت إدراكه لضررها كلما كان علمه أقل. [3] إذا انتهت، فلا فضل للجاهل في رؤية تشتت دعاتها وإفلاسهم، فإنها تكون مشاهدةَ عينٍ وبصرٍ، لا إدراك عقل وبصيرة؛ ولذلك يتمكن منها من لا عقل له أيضًا.