والنصوص التالية تجسِّد لنا خطورة وَقْعِ اللسان في الفتن:
عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تكون فتنة تَسْتَنْظِفُ [1] العرب، قتلاها في النار [2]، اللسانُ فيها أشدُّ [3] من وقع السيف" [4]. [1] تستنظف العرب؛ أي: تستوعبهم هلاكًا؛ يقال: اسْتَنْظَفتَ الشيء، إذا أخذته كلَّه، ومنه قولهم: استنظفت الخراج، ولا يقال: نظَّفْتُه. كما في "النهاية" (5/ 79) وقال القاري: "أي: تطهرهم من الأرذال وأهل الفتن" نقله في "تحفة الأحوذي" (6/ 402). [2] في النار؛ أي: سيكونون في النار أو هم حينئذٍ في النار؛ لأنهم يباشرون ما يوجب دخولهم في النار؛ كقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)} [الانفطار: 13] قال القاضي - رحمه الله تعالى-: المراد "بقتلاها" مَنْ قُتِل في تلك الفتنة، وإنما هم من أهل النار؛ لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها إعلاء دين أو دفع ظالم أو إعانة محق، وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طمعًا في المال والملك. [3] اللسان فيها أشد؛ أي: وقعه وطعنه على تقدير مضاف، ويدل عليه رواية: "إشراف اللسان" أي: إطلاقه وإطالته أشد من وقع السيف؛ لأن السيف إذا ضُرِب به أثَّر في واحد، واللسان تضرب به في تلك الحالة ألف نسَمَة، كما في "تحفة الأحوذي" (6/ 403).
قال القرطبي - رحمه الله تعالى-: "قوله: "اللسان فيها أشد من وقع السيف" أي: بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ عن ذلك من النهب والقتل والجلد والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها" اهـ. من "التذكرة" (2/ 249).
ونقل المناوي عن القاضي ابن العربي قوله: "وجه كونه أشد: أن السيف إذا ضرب ضربةً واحدةً مضت، واللسان يضرب به في تلك الحالة الواحدة ألف نَسمة، ثم هذا يحتمل أنه إخبار عَمَّا وقع من الحروب بين الصدر الأول، ويحتمل أنه سيكون، وكيفما كان فإنه من معجزاته؛ لأنه إخبار عن غيب" اهـ. من "فيض القدير" (4/ 101). [4] أخرجه أبو داود (4/ 461) رقم (4265)، وابن ماجه (2/ 1312) رقم (3967)، والإمام أحمد (11/ 170) رقم (6980)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق "المسند" (11/ 170)، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" رقم (319).