أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض، وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر! ثم .. يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين، يلجون في عتوهم، ويسارعون في كفرهم، ويلجون في طغيانهم، ويظنون أن الأمر قد استقام لهم، وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم!!! وهذا كله وهم باطل، وظن باللّه غير الحق، والأمر ليس كذلك. وها هو ذا اللّه سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن .. إنه إذا كان اللّه لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه، وإذا كان يعطيهم حظا في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه .. إذا كان اللّه يأخذهم بهذا الابتلاء، فإنما هي الفتنة وإنما هو الكيد المتين، وإنما هو الاستدراج البعيد:
«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ .. إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً»! ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم اللّه من غمرة النعمة، بالابتلاء الموقظ، لابتلاهم .. ولكنه لا يريد بهم خيرا، وقد اشتروا الكفر بالإيمان، وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم اللّه من هذه الغمرة - غمرة النعمة والسلطان - بالابتلاء! «وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» .. والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء.
وهكذا يتكشف أن الابتلاء من اللّه نعمة لا تصيب إلا من يريد له اللّه به الخير. فإذا أصابت أولياءه، فإنما تصيبهم لخير يريده اللّه لهم - ولو وقع الابتلاء مترتبا على تصرفات هؤلاء الأولياء - فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف، وفضل اللّه على أوليائه المؤمنين. وهكذا تستقر القلوب، وتطمئن النفوس، وتستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم. (1)
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1/ 524)