نام کتاب : مذكرات شاهد للقرن نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 405
أما ترتيبات الدروس فلم تكن بالأمر اليسير. بدأت أتساءل أمام حلقة تلاميذ تختلف كثيراً أعمارهم، وسوابقهم الذهنية، حسب منشئهم بالريف أم بالحضر، بدأت أتساءل عن ماهية الدروس وكيفيتها.
لقد كان الدرس الأول مجرد تجربة لي، واتصالاً برجال لا أعرف منهم إلا الوجوه، فتعمَّدت في الدرس الثاني أن أتعرف عليهم بالأسماء، فشرعت أسألهم وأسجل بالتوالي الأسماء والأعمار.
كان أصغرهم (بن يحيى السعدي) قد نزح من مسقط رأسه (وادي أميزور) بجبال القبائل، وقد كان يرعى بعض الشياه ولا يزال طفلاً دون السابعة عشرة من العمرة، ولا تزال على وجهه ملامح البراءة. وكان جالساً في الصف الأول وسيبقى مكانه إلى أن أغادر مرسيليا. ومضيت أسأل حتى وصلت إلى الصف الأخير، وتوقفت عند رجل مسن ذي قامة طويلة وهيكل متين، فسألته:
- ما هو اسمك؟ ..
- (تاشفين عبد الله)! ..
لقد تركني الجواب لحظة متوقفاً كأنه قطع بي النفس، فأعدت:
- ومن أية ناحية؟.
- من تلسان! ..
فبقيت تائهاً، إن الاسم والمكان قد اقترنا في ذهني مع صفحة طواها التاريخ، بينما أتصور في لمحة بصر مظهراً مؤثراً من المأساة التي نعيشها:
- هل يمكن أن يكون هذا الرجل من أحفاد (يوسف بن تاشفين) مؤسس دولة المرابطين بالمغرب؟ وأن تلقي به الأيام في هذه السن على رصيف مرسيليا؟ ... هل هذا ممكن؟ ..
نام کتاب : مذكرات شاهد للقرن نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 405