فجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد، فردها الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دعوها "، فأقبلت حتي نظرت إليه وهو في اللحد قبل أن يبني عليه اللبن والتراب، فقالت: أحتسبك عند الله، وعزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي قبره. . (1)
- قال الأصمعي:
أصيبت أعرابية بابنها وهي حاجة، فلما دفنته، قامت علي قبره وقالت: والله! يا بني، لقد غذوتك رضيعا، وفقدتك سريعا، وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها، فأصبحت بعض النضارة والغضارة ورونق الحياة، والتنسم في طيب روائحها، تحت أطباق الثرى، جسدا هامدا، ورفاة سحيقا، وصعيداً جرزاً.
أي بني: لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفناء، وأسكنتك دار البلى، ورمتني بعدك بنكبة الردى.
أي بني: لقد أسفر لي عن وجه الدنيا، صباح داج ظلامه. ثم قالت: أي رب: منك العدل .. وهبته لي قرة عين، فلم تمتعني به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر ووعدتني عليه الأجر، فصدقت وعدك، ورضيت قناعك، فرحم الله علي من ترحم علي من استودعته الروح، ووسدته الثرى - اللهم: ارحم غربته، وآنس وحشته، واستر عورته، يوم تنكشف الهنات والسوءات.
ولما أرادت الرجوع إلي أهلها، قالت: أي بني! إنني قد تزودت لسفري، فليت شعري، ما زادك لبعد طريقك، يوم معادك؟
(1) الطبقات الكري لابن سعد 3/ 432.