الوهابية ثورة "ثقافية"
لما تجهز شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من بلد العيينة إلى حج بيت الله الحرام، وقضى حجه، سار إلى المدينة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام-، فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف رؤساء بلد "المجمَعَة" القرية المعروفة في ناحية "سدير"، فأخذ الشيخ محمد عنه.
قال الشيخ محمد -رحمه الله-: كنت عنده يومًا، فقال لي: "تريد أن أريَكَ سلاحًا أعددته للمَجْمَعَةِ؟ " قلت: نعم، فأدخلني منزلًا عنده فيه كتب كثيرة، وقال: "هذا الذي أعددنا لها" [1].
لا شك أن هذا الموقف قد انطبع في نفس شيخ الإسلام، وأنه أثَّر في طبيعة دعوته، فإن شيخ الإسلام لم يتفرغ للدعوة إلا بعد أن تفرغ للعلم، ونهل منه، وأسس دعوته على العلم والبراهين، والحجج والأدلة [2]، وصدق الشاعر إذ يقول:
قد يكونُ الرمحُ مِن سِنِّ القلمْ ... ومن العلمِ حضاراتُ الأممْ
(1) "نفس المرجع" (3/ 1898). [2] كان شيخ الإسلام يطلب الكتب من الأمصار، وفي إحدى مراسلاته كتب: "وتعرف حرصي على الكتب"، وكانت الكتب أول ما يبحث عنه هو وتلاميذه عندما يفتحون بلدًا، أو حتى وهم في المنافي، وانظر: "السعوديون والحل الإسلامي" ص (96)، وانظر ما يأتي ص (93، 94).