نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 69
وتتعفن، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة. وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك. وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد ..
ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة، لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلا بد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة ..
وهو فساد أي فساد.
فلما أكثروا في الأرض الفساد، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» ..
فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم. فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب. حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان.
ومن قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» تفيض طمأنينة خاصة. فربك هناك. راصد لا يفوته شيء. مراقب لا يند عنه شيء. فليطمئن بال المؤمن، ولينم ملء جفونه. فإن ربه هناك! .. بالمرصاد .. للطغيان والشر والفساد! وهكذا نرى هنا نماذج من قدر الله في أمر الدعوة، غير النموذج الذي تعرضه سورة البروج لأصحاب الأخدود. وقد كان القرآن- ولا يزال- يربي المؤمنين بهذا النموذج وذاك. وفق الحالات والملابسات. ويعد نفوس المؤمنين لهذا وذاك على السواء. لتطمئن على الحالين. وتتوقع الأمرين، وتكل كل شيء لقدر الله يجريه كما يشاء.
«إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» .. يرى ويحسب ويحاسب ويجازي، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء. [في ظلال القرآن 6/ 3903]
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2]
فقد كانوا من القوة والمنعة في حصونهم بحيث لا تتوقعون أنتم أن تخرجوهم منها كما أخرجوا. وبحيث غرتهم هذه المنعة حتى نسوا قوة الله التي لا تردها الحصون! «فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ».
أتاهم من داخل أنفسهم! لا من داخل حصونهم! أتاهم من قلوبهم فقذف فيها الرعب، ففتحوا حصونهم بأيديهم! وأراهم أنهم لا يملكون ذواتهم، ولا يحكمون قلوبهم، ولا يمتنعون على الله بإرادتهم وتصميمهم! فضلا على أن يمتنعوا عليه ببنيانهم وحصونهم. وقد كانوا يحسبون حساب كل شيء إلا أن
نام کتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 69