نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 432
يدعون الله ويسألونه في تلك المنازل، قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ* وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة: 200 - 202].
هكذا قسم القرآن الناس في الموقف الذي تسمو فيه الأرواح وتدنوا القلوب من ربها، وتهب عليهم نسمات الذكريات المحمدية من قريب، والذكريات الإبراهيمية من بعيد.
قسمان فقط ذكرهما القرآن: طلاب دنيا وما لهم في الآخرة من خلاق، وهم ذلك الصنف الذي توعده الله في آية أخرى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) [الإسراء: 18]، وطلاب دنيا وآخرة يطلبون الحسنة في الحياتين، والسعادة في الدارين، دعاؤهم: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً) والحسنة في الدنيا ذهب العلماء إلى أقوال متعددة فيها: العافية، والمرأة الصالحة، الأولاد الأبرار، أو العلم النافع، أو الرزق الواسع، أو المحبة بين الناس، أو نحو ذلك، فكل هذا مما يحقق حسنة الدنيا [1].
ولم يذكر القرآن الكريم القسم الثالث من الناس -بحسب التقسيم العقلي- وهو من لا يطلب إلا حسنة الآخرة، وما له في الدنيا من أرب، وكأنه يعلمنا أن هذا الصنف لا يكاد يوجد في الناس، فالحياة بمتاعبها الجمة وحقوقها المتنوعة، تفرض على طالب الآخرة أن يدعو ربه لييسر له سبيل دنياه ويعينه على أداء حقوقها، ويخفف عنه متاعبها ثم هو يشعرنا أن إهمال الدنيا، وإهدار شأنها في حساب طالب الآخرة إنما هو أمر مذموم خارج عن سنة الفطرة، وصراط الدين معًا.
ولهذا لم يقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكرة الانقطاع عن الدنيا من أجل الرغبة في الآخرة، والاعتزال المطلق لعبادة الله، وكلما رمق في بعض أصحابه نزعة إلى هذا اللون من [1] انظر: العبادة في الإسلام (82).
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 432