نام کتاب : العصبة المؤمنة بين عناية الرحمن ومكر الشيطان نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 173
عن طلاقة المشيئة الإلهية من وراء القوانين الكونية التي يدبر اللّه بها هذا الكون، بقدره النافذ الطليق! يقول سير جيمس جينز الإنجليزي الأستاذ في الطبيعيات والرياضيات:
«لقد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق، أن الطبيعة لا تستطيع أن تسلك إلا طريقا واحدا، وهو الطريق الذي رسم من قبل لتسير فيه من بداية الزمن إلى نهايته، وفي تسلسل مستمر بين علة ومعلول، وأن لا مناص من أن الحالة (أ) تتبعها الحالة (ب) .. أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقوله حتى الآن، هو أن الحالة (أ) يحتمل أن تتبعها الحالة (ب) أو (ج) أو (د) أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر. نعم إن في استطاعته أن يقول: إن حدوث الحالة (ب) أكثر احتمالا من حدوث الحالة (ج) وإن الحالة (ج) أكثر احتمالا من (د) ... وهكذا. بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات (ب) و (ج) و (د) بعضها بالنسبة إلى بعض. ولكنه لا يستطيع أن يتنبأ عن يقين: أي الحالات تتبع الأخرى. لأنه يتحدث دائما عما يحتمل. أما ما يجب أن يحدث، فأمره موكول إلى الأقدار. مهما تكن حقيقة هذه الأقدار» (1)
ومتى تخلص القلب من ضغط الأسباب الظاهرة، لم يعد هناك محل فيه للتوكل على غير اللّه ابتداء. وقدر اللّه هو الذي يحدث كل ما يحدث. وهو وحده الحقيقة المستيقنة. والأسباب الظاهرة لا تنشئ إلا احتمالات ظنية! .. وهذه هي النقلة الضخمة التي ينقلها الاعتقاد الإسلامي للقلب البشري - وللعقل البشري أيضا - النقلة التي تخبطت الجاهلية الحديثة ثلاثة قرون لتصل إلى أولى مراحلها من الناحية العقلية ولم تصل إلى شيء منها في الناحية الشعورية، وما يترتب عليها من نتائج عملية خطيرة في التعامل مع قدر اللّه والتعامل مع الأسباب والقوى الظاهرية! .. إنها نقلة التحرر العقلي، والتحرر الشعوري، والتحرر السياسي، والتحرر الاجتماعي، والتحرر الأخلاقي ... إلى آخر أشكال التحرر وأوضاعه ... وما يمكن أن يتحرر «الإنسان» أصلا إذا بقي عبدا للأسباب «الحتمية» وما وراءها من عبوديته لإرادة الناس. أو عبوديته لإرادة (الطبيعة!) فكل «حتمية» غير إرادة اللّه
(1) - راجع بتوسع تفسير قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» في الجزء السابع من الظلال ص 1113 - 1121.
نام کتاب : العصبة المؤمنة بين عناية الرحمن ومكر الشيطان نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 173