فالعبادة في مظهرها العام هي الترجمة العملية لمشاعر الفرد نحو خالقه، وخضوعه واستسلامها له، وهي التي تربط الفرد بمجتمعه؛ لأن العبادات كلها تهدف إلى تماسك المسلمين، وترابطهم واتحادهم في المنهج والمصير، ولا أعني أن العبادة قاصرة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة، وإنما هي أعمق من ذلك، إنها العبودية لله وحده، والتلقي من الله -تبارك وتعالى- في أمر الدنيا والآخرة، أو هي إسلام الوجه لله -تبارك وتعالى- في جميع مناحي الحياة، أن يسلم العبد وجهه لله -عز وجل- بالكلية، فلا يعمل عملًا من أمور الدنيا إلا إذا قصد به وجه الله -تبارك وتعالى- وأدرك أن هذا العمل يحتاج إليه المجتمع المسلم، وينفعه ويفيده.
فالعبودية لله تقتضي الخضوع الكامل لله -عز وجل- وأن يتلقى العبد من ربه ومولاه، ثم هي صلة دائمة بالله -تبارك وتعالى- وهذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كلها.
والعبادة بهذا المعنى الواسع إنما قيمتها أن تكون منهج حياة، يشمل كل الحياة.
وهذا الهدف الذي تسعى التربية على تأصله وتعميقه، هو هدف مستمد من طبيعة المجتمع المسلم وسماته، ذلك المجتمع الذي يقوم على إخلاص العبادة لله وحده، وتحرير الإنسان من عبادة غير الله، ذلك المجتمع القائم على حكم الله وشريعته، فلا يصدر المجتمع في أمر من أموره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتنظيمية، إلا من منهج الله وشريعته، والاستسلام له، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
وعلى الدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- أن يعرفوا معناها، وأن يعملوا بمقتضاها، وأن يبينوها للأمة، وأن يعرفوا أن تثبيت أسس العقيدة الإسلامية هدف أصيل من أهداف التربية الإسلامية، يضعه الدعاة نصب أعينهم، ويعرفون به الأساتذة، ويدعون الأساتذة في سائر مجالات التعليم المختلفة إلى أن يعرفوا هذه