ومظهر هذا الخضوع: أن يَصُوغَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَسُلُوكَهُ وَنَشَاطَهُ، ومنه النشاط الاقتصادي على النحو الذي فصله وشرعه الله -تبارك وتعالى- وعلى هذا فإن النظام الاقتصادي في الإسلام يعمل مع غيره من أنظمة الإسلام الأخرى؛ لتسهيل وتيسير السُّبُلِ لِلْإِنْسَانِ؛ لِبُلُوغِ الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا -ألا وهي عبادة الله -تبارك وتعالى- وحده؛ فإذا تيسرت هذه العبادة للإنسان زَكَّتْ نَفْسَهُ بِالْقَدْرِ الْمَطْلُوبِ، وَصَارَ أهلًا للظفر بالحياة الطيبة في الآخرة؛ فَضْلًا عَنْ ظَفَرِهِ بِالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا.
إِنَّ فِقْهَ هَذَا الْأَسَاسِ لِلنِّظَامِ الاقْتِصَادِيِّ فِي الْإِسْلَامِ من قِبَلِ المسلم ضروريٌّ جدًّا له؛ لأنه بهذا الفقه سَيَعْرِفُ مَرْكَزَهُ الْحَقِيقِيَّ في الدنيا وعلاقته بها وَغَايَتَهُ في الحياة، وبالتالي يتقبل بنفسٍ رَضِيَّةٍ جميع الضوابط والتنظيمات التي جاء بها الشرع الإسلامي في مجال النشاط الاقتصادي؛ لَأَنَّ هَذَا كُلُّهُ يَقُومُ عَلَى عَقِيدَةٍ قَامَتْ فِي ذَاتِ الْإِنْسَانِ، تَجْعَلُهُ يَخْضَعُ لِرَبِّ الْعِزَّةِ والجلال، ويندفع -في الوقت ذاته- لتنفيذ التنظيمات والضوابط والتقيد بما جاء من عند الله تعالى، وَبِهَذَا تَظْهَرُ ثمار النظام الاقتصادي في واقع الحياة، ويسهم هذا النظام في تحقيق ما خلق الإنسان من أجله.
ومن معاني العقيدة الإسلامية ولوازمها التي لها علاقة في موضوع النظام الاقتصادي وأساسه هذه الأمور التالية:
أولًا: الاعتقاد الجازم والإيمان بأن الملك لله وحده؛ إن الكون بكل ما فيه -وبدون أي استثناء- مملوك لله تعالى على وجه الحقيقة، فلا شريك لله في ذرةٍ منه؛ لأن الله تعالى هو خالقه، وقد قال ربنا في كتابه: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (المائدة: من الآية: 17) وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (سبأ: 22)