وأفسَدَ عَقيدتَه، وشوّه فِطرتَه؛ لذا كانت حاجة الإنسانية ماسةً للدّعوة إلى الله، لتَتخلّص من شَرّ الوسواس الخَناس الذي يُوسوس في صُدور الناس.
ثانياً: لقد أودع الله بين حنايا النَّفس البَشرية العديدَ من الغَرائز. قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14).
وهذه الغرائز تَغْلي داخل كيان الإنسان كالمِرْجل، وكلّ غَريزة تَتدَافع وتَتزاحَم لبَسْط إرادتها على سلوك الإنسان وتَصرّفاته.
وهذه الغرائز إن لم تُحكم بميزان الشَّرع، وإن لم تُضبط بمقاييس وحْي السماء ورسالات الأنبياء، فإنها تَنطلق مَسعورة لإشباع حاجاتها دون تَدبّر ورَويّة، ودون التفات لأوامر الله، مُتجاهِلة الأحكام الشرعية، مُحطمةً للتَّقاليد والأعراف الاجتماعية، فيَنتَكس الإنسان إلى سلوك الحَيوان، بل أضلّ من الحيوان. قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف:179).
لذلك كانت الحاجة ضروريةً للدّعوة إلى الله، لتنظيم تلك الغَرائز البشريّة، وإشباعِها في إطار شَرْع الله الذي لا يَكبِتُها، ولا يَحرم الإنسان منها، ولا يَترك لها الحَبل على الغَارب، كالجَواد الجامِح؛ بل نَجد الإسلام العَظيم يُهذِّبها، ويَضبط دوافِعها. ولن يتمّ ذلك إلاّ من خِلال الدّعوة إلى الله على هدىً وبصيرة.
ثالثاً: إنّ العَقل البشري، مع أنه مَركز التَّوجيه، ومحور التَّفكير، ومَناط التَّكليف، وهو الذي يُميِّز الإنسان عن الحَيوان، فإنه لا يُحقِّق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، للأسباب التالية: