أولاً: قُصور العقل الإنساني، لأنه يَستقي المَعلومات من الحَواسّ، بواسطة الجِهاز العصبي الذي يَمتدّ بين خلايا الجسم وأنسجته وعظامه، ليتَّصل بالمخ في نظام عَجيب، وتناسُق مُعجِز مُبهر، يُنبئ عن قُدرة الخالِق، وعظَمة الصّانع -سبحانه وتعالى-. ومع ذلك، فالعَقل ليس مَعصوماً من الخطإ، وأحكامُهُ ليست صواباً على وجْه الإطلاق؛ فهو يَحكم على الشيء من خِلال ما تُقدِّمه الحَواسّ الخَمس من مَعلومات، فإذا فَقَدت إحدى الحواسّ عَملها بسبب مَرض أو عِلّة بها، تَوقَّف العَقل عن مَعرفة حَقيقة الجُزئية الخاصّة بتلك الحاسّة المُعطَّلة.
ثانياً: تفاوت العَقل البَشري، فعقول البَشر تَختلف في الفَهم، وتَتفاوت في الإدراك، وتَتدرّج في الذكاء، ممّا يَجعل الحُكم على الأشياء يَختلف اختلافاً ظاهراً بين بني البشر، كما أنّ العقل يَخضع لمؤثِّرات كَثيرة، ولا سيما في هذا العصر الذي يحاصَر الإنسان بالغزو الفكري الذي تبُثّه أجهزة الإعلام المَرئية والمَسموعة والمَقروءة، ممّا أدّى إلى التفاوت العَقلي في شتّى المجالات، واختلفت النظرة والحُكم على الأشياء من دولة لدولة، ومن جماعة عن جماعة أخرى. ولقد صوّر القرآن الكريم اختلاف العقول في قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون:53).
ثالثاً: عَجْز العقل البشريّ عن مَعرفة ما وراء عالَم الحواسّ والمُشاهدة. إن العقل البَشري تقف حُدودُه عند عالَم الحِسِّ والمُشاهدة، أمّا ما عدا ذلك، كالبَعْث والحَشْر، وعالَم الغَيب، وما يتعلّق بالرُّوح، والمَلإ الأعلى، فلا طَريق لمعرفته من خِلال العَقل، وإنّما تتمّ المَعرفة عَبر الوحي الإلهي، ورسالات الأنبياء. ولقد حَدّد القرآن الكريم الأمور التي يقف العقل البشري قاصراً وعاجزاً ومستسلماً