رحمة الله ومغفرته بإيقاظ دواعي الخير عندهم، وتحريك الفطرة النّقيّة في قلوبهم، ومخاطبتهم برفق، وتبصيرهم في حلمٍ ولينٍ، لأنهم ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:135).
هؤلاء المنحرفون والعصاة من المؤمنين، توجيههم وإصلاحهم واجب شرعيّ على علماء الأمّة، وفرض دينيٌّ على ولاة الأمْر فيها، ومسؤولية المجتمع بشتّى هيئاته ومؤسّساته الدِّينيّة والتربوية والثقافية والإعلامية، وسلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية. ثم إن هذا الإصلاح الدّينيّ والتقويم الاجتماعي يقي الأمّة من الفتن، ويحفظها من العواصف الأمنيّة واضطراب الأمور، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:117).
وعن حذيفة بن اليمان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده! لتأمُرُنّ بالمعروف، ولتنْهَوُنّ عن المنكر، أو ليوشكَنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدْعُنّه فلا يُستجاب لكم))، رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: "حديث حسن".
إن انصراف الأمّة عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، واستشراء حالة السلبيّة واللا مسؤولية بين الأفراد والجماعات، يُنذرُ بعواقب سيِّئة ونتائج وخيمة. وإنّ ما حدث ويحدث في أرجاء العالَم الإسلامي مِن فِتن هُوج وأنواء عاتية، وعواصف من الشرق والغرب مدمِّرة، ما هو إلاّ بسبب غياب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وهو، وإن قام به البعض الآن، إلا أنه قيام ضعيف غير قويّ، متعارضٌ غير منظّم، يؤدَّى على أنّه وظيفة لا رسالة؛ فيضعف تأثيره، وتسقط هيبة القائمين على شؤونه. وقد يحتجّ البعض لانصرافه عن الأمر والنهي بقوله تعالى: